عشرون عاما مضت
ومازلت لا اصدق ما حدث في ذلك اليوم
ان الذكريات تتداعي إمامي وكأنها حدثت في الأمس القريب
لا اعرف إن كنت أقصها عليكم أم اجعلها تموت معي في نهاية الرحلة
لا اعرف ولكنني مللت من الخوف ومللت من الاختباء ومللت الملل ذاته
سأقص عليكم تلك اللعنة التي لاحقتني واطارت صوابي ليالي كثيرة
كان ذلك منذ عشرون عاما
في احد الأيام الباردة حيث الغيوم تجثم علي صدرك والبرد ينخر في عظامك
وتبدا قصتي المشئومة بتلك الابتسامة اللعينة من ذلك الشخص الكريه ( مراد)
وهو لمن لا يعرفه جاري الذي يقطن معي في ذات البناية
وذلك الشخص من نوعية الأشخاص السمجة اللزجة التي تفرض نفسها عليك وكأنها مصيبة أصابتك
كان جاري وللأسف زميلي في العمل ونحن سويا نعمل في نفس الشركة ونفس القسم بل ونفس الاختصاص فنحن محاسبون ضرائب في احد المكاتب الشهيرة والتي يحتل مقرها دور كامل في بناية فاخرة في ارقي احياء القاهرة
وفي ذلك اليوم ابتدرني قائلا وتلك الابتسامة المقيتة اللزجة علي فمه
يبدوا أن المطر لن يتوقف علي الانهمار قريبا
نظرت له من فوق منظاري ورددت ببرود قائلا
يبدوا ذلك
إلا انه لم يبدوا وانه قد لاحظ لهجتي فاستمر بالتحدث قائلا
أتعرف أنني اخشي الليالي الممطرة فهي تبعث في اوصالي الرجفة وتتسبب في شعوري باليأس
إنني اخشي الظلام والأمطار وبخاصة حينما يجتمعان معا فتسمع صوت قطرات الماء وهي تقرع علي زجاج النافذة ويتسلل الظلام الي روحك فيخنقك
اعتدلت في جلستي وتساءلت بداخلي وماشاني الا اني وجدتها من انعدام اللياقة ألا أرد عليه ولو حتى كان ردا مقتضبا فقلت له أنا علي عكسك تماما فانا أري الخير في المطر والهدوء في الظلام
فقال وهو يرمقني بنظرة زائغة انك لم تعاني مثلي ليكون لك مثل رايي ولكن صدقني تحت عباءة الليل وضجيج المطر يوجد عالم اخر من يدخله لايعرف الا شيء واحد الرعب الرعب الأبدي
كنت اصغي له وكل خليه في عقلي تاكد لي انه اما مريضا نفسيا او انه معتوها ولكني علي الرغم من ذلك كنت أصغي له عل الوقت ان يمر وينتهي دوام العمل وبالفعل دقت الساعة لتعلن الخامسة مساء ومع دقاتها انتفض جسده وكأنما مسه تيار كهربي عالي الفولت وقال بعين زائغة ياالهي لقد حان الوقت حان الوقت
ثم اقترب مني وانا ما زلت انظر له بتعجب محاذرا ان يبدر مني أي فعل يستفزه فقد تحولت لهجته من اللهجة الهادئة إلي اللهجة الغاضبة الممزوجة بالخوف وقال لي وقد بدأت عيناه يغزوهما خوف غريب
(حلمي ) هل تسمح لي ان اتناول معك القهوة في منزلك
لم اكن بالطبع علي استعداد لتلبية هذا الطلب ففي مثل هذا الوقت الافضل ان اكون بالمنزل بجوار ابنتي الوحيدة اهون عليها وحدتها في هذا الطقس المتقلب السيء
فقلت له (مراد) ان هذا يشرفني بالطبع ولكني انا ساقوم زيارة لصديق بعد العمل مباشرة واخشي الا استطيع اجابتك لهذا الطلب فاعذرني وسوف اعوضك عنها في ظروف افضل
باغتتني يده التي قبضت علي معصمي وهو يقول بعينيه الزائغة ارجوك ارجوك احتاج الي مثل هذه الزيارة
عربد شيطان الشك بداخلي وتساءلت في نفسي وأنا الملم إغراضي لانصرف
ماذا يريد هذا المجنون وكيف أستضيفه عندي بعد ألح في الامر بهذه الطريقة المريب
قلت له وانا ارسم شبح ابتسامه علي وجهي انا اسف للمرة الثانية فانا لااستطيع انا استضيفك عندي اليوم
زاغت عينه حتي كاد البياض ان يطغي علي السواد وقال
(حلمي ) لو لم اذهب الي منزلك الان بكامل ارادتك فان ابنتك ستكون في خطر داهم
خطر من خارج عالمنا
وما ان نطق هذه العبارة حتي تاكدت من جنونه فتركته واندفعت خارجا من المكتب واستقليت المصعد
وما ان هبط وانفتح الباب حتي وجد ته امامي يلهث وقد سيطر علي جسده رعشة غريبة جعلتني ادفعه بعيدا عني واعدوا تحت الامطار الي سيارتي وادرت محركها وانطلقت بها في عنف وخلفي اخذ (مراد ) يعدوا وكانما اصابته لوثة وسمعته يقول رغم ان زجاج السيارة مغلق وكان الصوت ياتي من كل مكان
ستموت ابنتك موته شنيعة حينما يحتوي الظلام شلالات المطر
لم التفت لكلامه وانطلقت بسيارتي نحو المنزل والذي يبعد بمسافة نصف ساعة عن الشركة التي اعمل بها
كان الظلام قد هبط والأمطار تزداد تباعا فقد أصبحت كالصنبور ثم كالشلال فقمت بتشغيل مسحات السيارة الأمامية
وأبطئت سرعتي وأشعلت أنوار الانتظار
كل هذا وذهني مشتت وكلمات (مراد) تتردد في ذهني بلا توقف
ستموت ابنتك موته شنيعة حينما يحتوي الظلام شلالات المطر
يا الهي لقد أصبحت الأمطار كالشلال
ومساحات السيارة تكافح من اجل جعل الرؤية ممكنه
كانت الدقائق تمر ثقيلة وكأنها ساعات
وأخيرا وصلت للمنزل فركنت السيارة في مكانها المخصص ودلفت إلي المصعد وضغط علي زر الطابق الثامن وانتظرت حتى توقف وانفتحت أبوابه علي مصرعيها
وما أن خرجت من المصعد حتي تراجعت الي الخلف وكدت اسقط علي ظهري بداخل المصعد لولا تمسكي بحوافه الجانبية
فهناك وعلي بعد عدة امتار مني كان يقف (مراد) وعينينه تبرقان ببريق الجنون و دموعه تسيل علي وجنتيه وقال لي بصوت مختنق وراسه تهتز كالبندول لقد فات الاوان فات الاوان
لم التفت له لحظة واندفعت نحو باب الشقة واخرجت المفتاح من جيبي واولجته في قفل الباب
وفي نفس اللحظة انطفات الكهرباء وسادت الظلام المكان
وانسال المطر كالشلال
ولتكتمل لوحة الجنون
انطلقت صرخة ابنته تشق الليل
وكانت الصرخة تشبه صرخة إنسان يحتضر
تتبع
ومازلت لا اصدق ما حدث في ذلك اليوم
ان الذكريات تتداعي إمامي وكأنها حدثت في الأمس القريب
لا اعرف إن كنت أقصها عليكم أم اجعلها تموت معي في نهاية الرحلة
لا اعرف ولكنني مللت من الخوف ومللت من الاختباء ومللت الملل ذاته
سأقص عليكم تلك اللعنة التي لاحقتني واطارت صوابي ليالي كثيرة
كان ذلك منذ عشرون عاما
في احد الأيام الباردة حيث الغيوم تجثم علي صدرك والبرد ينخر في عظامك
وتبدا قصتي المشئومة بتلك الابتسامة اللعينة من ذلك الشخص الكريه ( مراد)
وهو لمن لا يعرفه جاري الذي يقطن معي في ذات البناية
وذلك الشخص من نوعية الأشخاص السمجة اللزجة التي تفرض نفسها عليك وكأنها مصيبة أصابتك
كان جاري وللأسف زميلي في العمل ونحن سويا نعمل في نفس الشركة ونفس القسم بل ونفس الاختصاص فنحن محاسبون ضرائب في احد المكاتب الشهيرة والتي يحتل مقرها دور كامل في بناية فاخرة في ارقي احياء القاهرة
وفي ذلك اليوم ابتدرني قائلا وتلك الابتسامة المقيتة اللزجة علي فمه
يبدوا أن المطر لن يتوقف علي الانهمار قريبا
نظرت له من فوق منظاري ورددت ببرود قائلا
يبدوا ذلك
إلا انه لم يبدوا وانه قد لاحظ لهجتي فاستمر بالتحدث قائلا
أتعرف أنني اخشي الليالي الممطرة فهي تبعث في اوصالي الرجفة وتتسبب في شعوري باليأس
إنني اخشي الظلام والأمطار وبخاصة حينما يجتمعان معا فتسمع صوت قطرات الماء وهي تقرع علي زجاج النافذة ويتسلل الظلام الي روحك فيخنقك
اعتدلت في جلستي وتساءلت بداخلي وماشاني الا اني وجدتها من انعدام اللياقة ألا أرد عليه ولو حتى كان ردا مقتضبا فقلت له أنا علي عكسك تماما فانا أري الخير في المطر والهدوء في الظلام
فقال وهو يرمقني بنظرة زائغة انك لم تعاني مثلي ليكون لك مثل رايي ولكن صدقني تحت عباءة الليل وضجيج المطر يوجد عالم اخر من يدخله لايعرف الا شيء واحد الرعب الرعب الأبدي
كنت اصغي له وكل خليه في عقلي تاكد لي انه اما مريضا نفسيا او انه معتوها ولكني علي الرغم من ذلك كنت أصغي له عل الوقت ان يمر وينتهي دوام العمل وبالفعل دقت الساعة لتعلن الخامسة مساء ومع دقاتها انتفض جسده وكأنما مسه تيار كهربي عالي الفولت وقال بعين زائغة ياالهي لقد حان الوقت حان الوقت
ثم اقترب مني وانا ما زلت انظر له بتعجب محاذرا ان يبدر مني أي فعل يستفزه فقد تحولت لهجته من اللهجة الهادئة إلي اللهجة الغاضبة الممزوجة بالخوف وقال لي وقد بدأت عيناه يغزوهما خوف غريب
(حلمي ) هل تسمح لي ان اتناول معك القهوة في منزلك
لم اكن بالطبع علي استعداد لتلبية هذا الطلب ففي مثل هذا الوقت الافضل ان اكون بالمنزل بجوار ابنتي الوحيدة اهون عليها وحدتها في هذا الطقس المتقلب السيء
فقلت له (مراد) ان هذا يشرفني بالطبع ولكني انا ساقوم زيارة لصديق بعد العمل مباشرة واخشي الا استطيع اجابتك لهذا الطلب فاعذرني وسوف اعوضك عنها في ظروف افضل
باغتتني يده التي قبضت علي معصمي وهو يقول بعينيه الزائغة ارجوك ارجوك احتاج الي مثل هذه الزيارة
عربد شيطان الشك بداخلي وتساءلت في نفسي وأنا الملم إغراضي لانصرف
ماذا يريد هذا المجنون وكيف أستضيفه عندي بعد ألح في الامر بهذه الطريقة المريب
قلت له وانا ارسم شبح ابتسامه علي وجهي انا اسف للمرة الثانية فانا لااستطيع انا استضيفك عندي اليوم
زاغت عينه حتي كاد البياض ان يطغي علي السواد وقال
(حلمي ) لو لم اذهب الي منزلك الان بكامل ارادتك فان ابنتك ستكون في خطر داهم
خطر من خارج عالمنا
وما ان نطق هذه العبارة حتي تاكدت من جنونه فتركته واندفعت خارجا من المكتب واستقليت المصعد
وما ان هبط وانفتح الباب حتي وجد ته امامي يلهث وقد سيطر علي جسده رعشة غريبة جعلتني ادفعه بعيدا عني واعدوا تحت الامطار الي سيارتي وادرت محركها وانطلقت بها في عنف وخلفي اخذ (مراد ) يعدوا وكانما اصابته لوثة وسمعته يقول رغم ان زجاج السيارة مغلق وكان الصوت ياتي من كل مكان
ستموت ابنتك موته شنيعة حينما يحتوي الظلام شلالات المطر
لم التفت لكلامه وانطلقت بسيارتي نحو المنزل والذي يبعد بمسافة نصف ساعة عن الشركة التي اعمل بها
كان الظلام قد هبط والأمطار تزداد تباعا فقد أصبحت كالصنبور ثم كالشلال فقمت بتشغيل مسحات السيارة الأمامية
وأبطئت سرعتي وأشعلت أنوار الانتظار
كل هذا وذهني مشتت وكلمات (مراد) تتردد في ذهني بلا توقف
ستموت ابنتك موته شنيعة حينما يحتوي الظلام شلالات المطر
يا الهي لقد أصبحت الأمطار كالشلال
ومساحات السيارة تكافح من اجل جعل الرؤية ممكنه
كانت الدقائق تمر ثقيلة وكأنها ساعات
وأخيرا وصلت للمنزل فركنت السيارة في مكانها المخصص ودلفت إلي المصعد وضغط علي زر الطابق الثامن وانتظرت حتى توقف وانفتحت أبوابه علي مصرعيها
وما أن خرجت من المصعد حتي تراجعت الي الخلف وكدت اسقط علي ظهري بداخل المصعد لولا تمسكي بحوافه الجانبية
فهناك وعلي بعد عدة امتار مني كان يقف (مراد) وعينينه تبرقان ببريق الجنون و دموعه تسيل علي وجنتيه وقال لي بصوت مختنق وراسه تهتز كالبندول لقد فات الاوان فات الاوان
لم التفت له لحظة واندفعت نحو باب الشقة واخرجت المفتاح من جيبي واولجته في قفل الباب
وفي نفس اللحظة انطفات الكهرباء وسادت الظلام المكان
وانسال المطر كالشلال
ولتكتمل لوحة الجنون
انطلقت صرخة ابنته تشق الليل
وكانت الصرخة تشبه صرخة إنسان يحتضر
تتبع