۝۝ منتديات حبايب حنان ۝۝

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


3 مشترك

    نقطة الغليان

    MEHA
    MEHA
    عضو ذهبى
    عضو ذهبى


    انثى
    القوس عدد الرسائل : 605
    العمر : 35
    العمل/الترفيه : STUDENT
    المزاج : كل يوم بحالة ...جنان يعنى
    تاريخ التسجيل : 18/11/2007

    نقطة الغليان Empty نقطة الغليان

    مُساهمة من طرف MEHA 10th أغسطس 2009, 10:11 am


    نقطة الغليان

    للكاتب مصطفى محمود

    الكتاب به مجموعة قصص هى :

    1- أغلى شئ
    2- العزيز الذى لا ينال
    3- الرجل الذى عرفه ربه
    4- تحولات الليل و النهار
    5- الزهور البلاستيك
    6- الرصاصة
    7- حياة الدكتور إسكندر
    8- الحب و الموت
    9- المبروك
    10-ملاطفة
    11- شكراً لقد أديت وظيفتك
    12- ذرة يورانيوم
    13- الخروج
    14- مخالى

    MEHA
    MEHA
    عضو ذهبى
    عضو ذهبى


    انثى
    القوس عدد الرسائل : 605
    العمر : 35
    العمل/الترفيه : STUDENT
    المزاج : كل يوم بحالة ...جنان يعنى
    تاريخ التسجيل : 18/11/2007

    نقطة الغليان Empty رد: نقطة الغليان

    مُساهمة من طرف MEHA 10th أغسطس 2009, 11:15 am

    القصة الأولى

    نقطة الغليان

    وقف فى شارع الحمراء فى بيروت يتلفت و يدس يده بين لحظة و أخرى فى جيبه حيث الألف ليرة .

    بحار أعزب عاش عمره سواحاً بين الموانئ يضع قدمه اياماً على البر فيتغرب شهوراً تائهاً حتى ليصبح نقطة عائمة فى زرقة بلا حدود لا يربطه بعالم البشر إلا صوت الترانزستور الصغير المعلق على كتفه أو عجيج رجال الباخرة السكارى آخر الليل.
    ومثل كل البحارة قدقد ورث تلك العادة السيئة من أيام أجداده أن يجمع كل ما كسب طوال غربته ليلقى به بين أحضان أول فتاة يقابلها على رصيف الميناء .
    وما أكثر ما ختم ليلته بمعركة بالأيدى مع صاحب البنسون ثم عاد خالى الوفاض بعين وارمة إلى باخرته .
    تلك حياة البحار ، وهذا أغلى ما يملك .
    تلك اللذات الحادة المتجددة على أرصفة الموانئ بين ضباب الخمور الرديئة وذلك العنف الممتع الذى ينفق فيه كل شئ أويخسر فيه كل شئ .
    و هل فى الحياة أغلى من ذلك .
    ذلك الخطر الموشك........ و اللذة الجامحة......... و الإنفعال الدائم
    و حينما رأى بعض الفقراء يسجدون و يصلون لله على شاطئ الأسكندرية ذات مرة لم يفهم لمن يسجد هؤلاء الناس و لمن يصلون و كيف يعطينا الله حياة لننفقها من أجل حياة أخرى . و أين الله الذى يعبدونه .
    إنه لا يفهم هذا الكلام ، إن معبوده فى كأس نبيذ أو بين ذراعى امرأة .
    و جنته فورية و لذائذه عاجلة و سعادته يلمسها بيده . و جحيمه أن يحرم من هذه اللذات و يخرج مطروداً بلكمه على أنفه ويفوز بتلك اللذات غريمه أمام عينه .
    يا له من نسيم منعش ويا لها من ليلة دافئة .
    وراح يغنى أغنية إطالية و يدمدم فى إسترخاء لذيذ و هو ينزل الدرجات إلى ستريو على بابه صور عارية و على البار و جدها ليس أجمل منها و لا فى الأساطير .
    يا له من خصر ضامر وردف ممتلئ و شفتين مثل كرزتين تتدفقان دماً و حيوية .
    و تصور نفسه يطبق على هاتين الشفتين و يغيب فى هذا الردف .
    يا لها من ليلة معطرة يا لها من إمرأة تثيره حتى النخاع وراح يغنى أغنية بذيئة . و غمز له البارمان بأنها إميرة إيطالية و لكن لا شئ مستحيل لمن يملك الثمن .
    و همس له فى إذنه و هو يصب كأساً .. أنه يمكن أن يدبر له كل شئ بألف ليرة .. العشاء و الشراب و البنسيون و جنة من فواكه لبنان وأنهار من نبيذ بودرو ونبع فوار ما الشمبانيا الفرنسية الفاخررة و تحفة فاخرة من براندى نابليون المعتق مائة سنة فى أقبية الأديرة القديمة .
    ومال عليه يروى قصة الذين فقدوا عقولهم بعد قبلة من هاتين الشفتين .
    حسناً يا عزيزى البارمان لا مانع عندى أن افقد عقلى أنا الآخر ... و أفقد ما فى جيبى أيضاً الآن فوراً .
    و ألقى بالكأس جرعة واحدة فى جوفه . و تأبط الفتاة و كأنه يتأبط العالم كله و خرج يغمغم بالأغنية البذيئة .
    قالت له الفتاة على الدرج وهى تلقى بشعرها على كتفه .
    - إيطالى
    - لا يا أميرة احلامى ، بل غجرى من وار صوفيا .من بلاد الكروم و الموسيقى و الرقص ..و لكنى أستطيع أن أكون إيطالياً من أجل عينيك .
    و أختلس قبلة من عنقها و هو يغمغم :
    - إنى أستطيع أن أكون دائماً كما تريد الحسان الفاتنات أمثالك ..
    وراح يغنى أغنية روسينو :
    امنحينى قبلة أفتح بها الدنيا و أصل بها إلى القمر .
    يا قيثارتى الجميلة ،دعينى أعزف على أوتارعودك الممشوق لحن حب.
    واعتقنا على الباب
    هل حدث زلزال فجأة ، لقد شعر بالأرض تميد تحت قدميه و سقط جزء من السقف و انطلقت من كل مكان أصوات الرشاشات و الهاونات وقذائف المدفعية والثقيلة والصواريخ واشتعلت السماء بوهج أحمر .
    و مرت لفحة من الهواء الساخن على خده كأنها سيف محمى ورأى شظية تقتلع رأس الفتاة أمامه و تترك حفرة ينبثق منها الدم .ورأى نفسه يحتضن جثة ..
    وانبطح على الأرض و هو يرتجف ..و سمع صوت الترانزستور الصغير المعلق على كتفه يتحدث عن معارك مشتعلة بين الكتائب و القوات الوطنية فى عين الرمانة و فرن الشباك والأشرفية و تل الزعتر و الحمرا و منطقة الميناء .. ويحذر المواطنين من رصاص القناصة الذى ينطلق من رؤؤس العمارات ليقتل بلا تمييز ..و أوامر بحظر التجول ..و تحذيرات بإنقطاع الماء و الكهرباء ...
    وراح يزحف على بطنه ليصل إلى الميناء و رصاص القناصة يئز فوق رأسه ، و توقف ذهنه تماماً و أصاب اشلل كل تفكيره ..
    و خيل له أنه يحلم و أن ما يجرى حوله كابوس أو خيالات فى رأس مخمور أو حالة صرع عامة .
    وكان يجرى ثقم يقفز ثم يهرول ..ثم يعود فينبطح أرضاً ثم يعود ليزحف كسلحفاة ..ثم يعود فيمرق كسهم و حينما وصل إلى الميناء كان يلهث ..
    وقوجئ بباخرته أصابها لغم شطرها نصفين وأرسلها ألى القاع ..
    لم يبق له ملجأ سوى مكتب الشركة فى الأشرفية و ألصق أذنه بالترانزستور فإذا به يسمع أن مكتب الشركة قد نسف وأن الأشرفية تحاصرها الحرائق ..
    وخرج عليه رجل بكلاشنكوف فى يده جرده من كل نقوده فى لحظة ..
    و شعر بنفسه فى العراء تماماً و قد فقد كل شئ .كل هذا حدث فى ثوان
    أصبح بعدها لاأحد فقد العالم .. و فقد نفسه و فقد عنوانه و فقد بطاقته و فقد ثروته و تلفت حوله ضياع كامل .
    وكانت صرخات الجرحى و المحتضرين و الوجوه الاتى جمدها الرعب تطل عليه من كل جانب .و كان عدة مئات من الأهالى قد خرجوا إلى الميناء يلتمسون مهرباً من الجحيم وكانت البواخر قد توقفت تماماً لتوقف الخدمة و التموين و لهرب العمال من المنطقة التى تحولت إلى ساحة قتال .
    و لم تبق بضع سفن شراعية صغيرة يقودها بعض المغامرين فى مقابل مبالغ كبيرة إلى اللاذقية و اليونان و الأسكندرة .
    و تحركت فى صاحبنا غريزة البحار المغامر فتطوع ليقود بضع عشرات من هؤلاء الهاربين فى سفينة شراعية إلى الأسكندرية .
    وهكذا عاد إلى البحر .. نقطة لا تكاد ترى فى الزرقة بلا حدود و حينما كانت السفينة تنساب ناعمة على صفحة الزرقة اللازوردية كطائر اللقلق الأبيض كان يستعرض شريط الحوادث السريع المتلاحق لا يكاد يصدق ما حدث و كان يحاول أن يفهم .. و لكن القصة لم تكن قد انتهت بعد ..
    و الساعات القليلة التى مضت فى حوار ناعم مع نسيم البحر كانت مجرد هدئة حرب لأن الأمواج ما لبثت أن ارتفعت وزمجرت الرياح وتمزق الشراع وانكسرت الصوارى وخرجت السفينة عن خط سيرها المقرر و الرحلة التى قدر لها أسبوع امتدت لأسبوعين و نفذ الطعام و فرغ الماء وبدأت المعركة من الجوع و العطش .
    و أصبح عادياً أن يسمع ذلك الذى يصرخ يريد أن يدفع كل ما يملك فى مقابل نقطة ماء ..و ذلك الذى يعطى نصف عمره فى سبيل قطرة شراب يبل بها شفتيه .
    كانت قطرة الماء تبدو ساعتها أغلى شئ .
    و فى الليلة السوداء التى تحطمت فيها السفينة و غرقت لا يذكر شيئاً سوى أنه كان يسبح وحده فى بحر بلون القار الأسود و لا أحد غيره على قيد الحياة و لا صوت ولا بصيص ضوء . و حينما كانت قواه تخور سمع شفتيه تسألان الرحمة
    من كان يسأل و لا أحد هناك ؟!!
    و سمع قلبه يستغيث و يستنجد كطفل ملقى فى العراء هجرته أمه..
    بمن كان يستغيث و لا أحد هناك فوق أطباق الظلمة ..
    بمن كان يستنجد ...؟!! لقد كان شفتاه صادقتين .. و كان قلبه صادق الطلب و لكن لا أحد سواه أو لعله أخطأ الفهم ..
    و لعل قلبه أصاب حيث أخطأ بصره فرأى ما لا ترى العين ساعتها كانت الرحمة أغلى شئ . ومن عنده الرحمة كان أغلى الكل ..
    ذلك الذى أدرك القلب وجوده و خاطبه مخاطبة مخاطبة الحاضر المشهود ..فقال يارب .. رحمتك ..
    واستجاب الرحيم فانتشله يد قوية وحملته إلى قارب إنقاذ ..
    وفى سرير بمستشفى الأسكندرية فتح الرجل عينيه ليستأنف الحياة من جديد وقد أصبح رجلاً آخر .
    رجلاً يركع ويسجد ويدعو مع الداعين و يصلى مع المصلين ..
    تلك هى قصة البحار الذى عاش حياته يجرى و راء أغلى شئ .. و الذى عرف أخيراً ما هو أغلى شئ .

    إلى اللقاء مع باقى القصص

    أتمنى القصة تعجبكم
    Snow White
    Snow White
    عضو ماسى
    عضو ماسى


    انثى
    العقرب عدد الرسائل : 3211
    العمر : 37
    تاريخ التسجيل : 29/10/2007

    نقطة الغليان Empty رد: نقطة الغليان

    مُساهمة من طرف Snow White 10th أغسطس 2009, 6:19 pm

    ..فقال يارب .. رحمتك ..
    فى انتظار باقى القصة يا ميها
    نقل مميز وجديد
    ودى اول مرة اقرأ فيها لمصطفى محمود
    MEHA
    MEHA
    عضو ذهبى
    عضو ذهبى


    انثى
    القوس عدد الرسائل : 605
    العمر : 35
    العمل/الترفيه : STUDENT
    المزاج : كل يوم بحالة ...جنان يعنى
    تاريخ التسجيل : 18/11/2007

    نقطة الغليان Empty رد: نقطة الغليان

    مُساهمة من طرف MEHA 11th أغسطس 2009, 4:49 pm

    ميرسى يا حبى
    يارب تكون القصة عجبتك و إن شاء الله هكتب باقى القصص وكتب تانية ليه
    يارب تعجب باقى الأعضاء
    MEHA
    MEHA
    عضو ذهبى
    عضو ذهبى


    انثى
    القوس عدد الرسائل : 605
    العمر : 35
    العمل/الترفيه : STUDENT
    المزاج : كل يوم بحالة ...جنان يعنى
    تاريخ التسجيل : 18/11/2007

    نقطة الغليان Empty رد: نقطة الغليان

    مُساهمة من طرف MEHA 20th أغسطس 2009, 9:56 pm


    [size=24]
    القصة الثانية
    العزيز الذى لا ينال


    أغسطس القاتل
    ودرجة الحرارة أربعون درجة ، و الزنزانة متر فى متر، و السجين يدور حول نفسه منذ ساعات ثم ينهار فى ركن ثم يتجمد كتمثال يحملق أمامه بأعين ثابتة زجاجية تخترق الجدران و تخترق الزمن . إنه فى إنتظار من يفتح الباب و يقوده لتنفيذ حكم الإعدام ..

    ربما يحدث هذا اليوم و ربما يحدث غداً .. وربما يحدث الأن .

    وشريط حياته يمر أمام عينه سريعاً .
    إنه صيدلى ورجل أعملا ناجح .. له صيدلية فى أكبر ميادين الكويت يكسب منها ثمانية آلاف جنيه شهرياً .. ولا يحتاج منه هذا المكسب الضخم أكثر من العمل بضع ساعات هو وزوجته فى الصيدلية كل يوم .

    وقد اشتغل فى بيع وشراء الأراضى فارتفع رصيده فى سنوات من عدة آلاف إلى عدة ملايين من الدنانير .

    ثم اشتغل فى بناء و بيع الفيلات و العمارات .. ثم فى الأدوات الكهربائية و الأثاث ثم فى تجارة العربات القديمة .. فتضاعفت ثروته إلى أرقام فلكية .

    وتصور أنه لم يعد ينقصه هو وزجته شئ ..فكل ما يرغبان فيه يحصلان عليه بإشارة من طرف البنان .. وكل ما يحلمان به يحققانه فى أقل من إغماضة عين .

    هكذا كان يتصور حتى شهور قليلة حينما حدثت الحادثة الرهيبة .

    وقد بدأت الحادثة بملاحظة بسيطة هى تناقص تدريجى فى أمبولات المورفين بالصيدلية و بإعادة الحسابات اكتشف أن هناك تناقصاً مماثلاً فى أمبولات الكوديين و اللومينال و الكاربيتال و فى عدد من المخدرات الممنوع تداولها بدون روشتات و لم يكن أحد يملك مفتاح دولاب المخدرات سواء هو وزوجته .

    ولا يد غريبة تعمل معهما بالصيدلية ..

    ولم يكن الشك يخرج من أحد اثنين .. إما هو .. و إما زوجته .

    وكانت حالتها النفسية فى السنوات الأخيرة تشير إليها بإصبع الإتهام .. نوبات الخدر و الذهول و الرغبة فى الوحدة ، ثم نوبات التوتر و العصبية .. ثم الرغبة فى النوم .. ثم الإمساك المزمن و فقدان الشهية و الكآبة و السوداوية .

    إنها هى إذن ... و لكن ما السر ؟؟؟

    و كتم الأمر فى نفسه و لم يشأ أن يسألها .. و راح يتجسس ...

    و اكتشف أنها تبعث بخطابات منتظمة إلى القاهرة بمعدل خطاب كل ثلاثة أو أربع أيام وراح يفتش فى أدراجها ، وعثر على أحد هذه الخطابات .. وكانت ما تزال تكتب فى صفحته الأخيرة .. و لم تنته من بعد .

    ووقف شعر رأسه و تصبب منه العرق بارداً و هو يقرأ ..
    كان خطاب حب ملتهب به سطورعن علاقة مكشوفة وتفاصيل عن اللذة المحمومة التى غمرتها من الرأس إلى القدم حينما ذاقت أول قبلة .. وكاد قلبه يتوقف وهو يقرأ كلماتها :

    " صدقنى لم أشعر بأى شعور بين ذراعى زوجى حينما أتخيل أنك هو " و كانت السطور تعود فتحلق إلى نبرة غامضة شرية حينما تقول : " ما أجمل اللحظة التى لا مس فيها سرك سرى . وانطوى نورك نورى و شعرت أنى ذبت تماماً وعدت كما بدأت .. مجرد لا شئ " ..

    وأعاد الخطاب إلى الدرج و يده ترتجف كأنما أصابه مس من جنون ..

    و لكنه كتم الأمر و لم يشأ أن يفاتحها و طار إلى القاهرة إلى عنوان الرجل .. وكانت المفاجئة الثانية الصاعقة الثانية .. فقد اكتشف أن الرجل مات من خمس عشرة سنة فى حادث تصادم فى طريق مصر الأسكندرية الصحراوى .. أى أنه مات قبل زواجه منها ...

    هى إذن قصة حب مع رجل ميت . مع شبح .. مع ماض سحيق ..
    ولكن ما هذا التجسيد الغريب المثير للمشاعر .. وكأنها تخاطب أعضاء تلمسها .. وتباشر حالات حية .. وتعيش فى حاضر مهيمن يملأ عليها أقطار أحاسيسها فتتكلم فى صراحة بذيئة عن ذلك الإحساس اللذيذ .. ثم يعود فيحلق بها الخيال المحموم إلى تلك النبرات الشعرية الغامضة .. عن السر الذى لا مس السر .. و النور الذى انطوى فى النور .. وعن الذوبان حتى التلاشى و العدم .

    أيمكن أن يفعل ذلك هذا رجل مات و تحلل وأصبح رمة عفنة وتراباً منذ خمس عشرة سنة ؟
    أم أنه أمام حالة جنون كامل ؟

    تلك المرأة الضامرة الهزيلة ذات الجمال الذابل و النظرات الناعسة الأنثوية .. ذلك الكيان الحريرى فى الأربعين الذى يودع جماله ..

    أتكون قد أصابها مس من صرع و قد رأت جمالها يذوى و ألقى فى وجهها بكل شئ ..

    ونظرت إليه نظرات مخدورة واتسعت عيناها الناعسة الأنثوية وكأنما تيقظت من حلم ، وأشاحت بيديها كأنما تزيح الأغطية أو تنفض غبار تابوت ..
    قال فى صوت متهدج :

    لم فعلت هذا ؟
    [size=24][size=24]
    فأجابت فى نبرة ساهمة لكن ثابتة :


    أنا أعيش حياة لا تطاق ..
    أنت تملكين كل شئ ..
    نحن لا نحب ما نملك ..
    كل ما تحلمين به تجدينه ..
    نحن لا نحلم بما نجد ، بل نحلم بالعزيز الذى لا ينال ..
    ماذا ينقصك ؟؟
    الحب ..
    و لكنى تصورت أنك تحبين المال حتى الموت .
    و هل يُِِحب الأسمنت و الحديد و الخشب ؟؟
    حياتنا كانت دائمة حافلة بالنجاح .
    بل كانت دائمة صدئة خالية من لمسة الشعر و كلمة الحنان ..
    ما حكاية هذا الرجل .. هل كنت عشيقته قبل زواجنا ؟؟ صارحينى بالله ..
    فابتسمت إبتسامة باهتة .. و قالت فى هدوء :
    بل مجرد لقاء مصادفة فى إحدى المكتبات العامة .. تبادلنا فيه بعض الكلمات .. لم يلمس يدى و لم ألمس يده .. و لم أره بعد ذلك .. و إنما كنت أقرأ له فى الصحف.. كاتبا ً مشهوراً .. ثم مات فى حادث تصادم .. وقرأت نعيه كما قرأته أنت وكما قرأه كل الناس .. ثم قابلتك وتزوجنا و هذا كل شئ ..
    أنت إمرأة مجنونة ..
    بل إمرأة عاقلة تريد أن تعيش حياة حقيقية ..

    أليست حياتنا حقيقية ؟؟
    إنها مجرد كمبيالات وإيصالات وشيكات وأوراق نقدية تتراكم بدون معنى وخارج إطار هذه الكمبيالات والشيكات لاوجود لشئ لا إيمان بشئ .. لا حب لشئ .. إن حياتك هى الجنون و الــــــلامعقول ذاته و ليست حياتى .
    إنظرى إلى ما فعلت بنفسك .. مورفين كوديين و هيروين و كوكايين .. أهذه الحياة .
    أفعل هذا لأتحمل الحرمان و الجفاف الذى أعيشه معك .
    و لماذا لم تطلبى الطلاق ؟
    إنتهى العمر و هذا قدرى و لم يعد فى الإمكان البدء من جديد .. وحياتنا هى خطؤنا نحن الإثنين و ليست خطأك وحدك .. وربما كان ذنبى أكبر من ذنبك .
    ذنبك أكبر!!! كيف؟؟؟؟؟
    لأنى كنت أعلم جريمتى و أستمرفيها .. أما أنت فلم تكن تعلم ماذا تفعل بنفسك .. كنت تحب المال حتى الموت بالفعل .. وكنت صادقاً مع نفسك فى هذا الدأب الـــلامعقول .. أما أنا فظل فى داخلى شعور واع رافض لكل شئ .. لكنى أستمررت وحاولت أن أعالج الخطأ ثم أعالج الخطأين بخطأ ثالث .. حتى التهيت إلى تلوث كامل .
    ماذا تعنين بتلوث كامل ؟
    فجمعت شجاعتها و ألقت بالمفاجئة الثالثة الصاعقة .
    لن أكتم عنك شيئاً .. سوف أضع عن قلبى كل أثقاله و أستريح .. سوف أقول لك كل الحقيقة .

    و شعر بأنها سوف تلقى بكارثة فقال مشفقاً على نفسه و عليها :
    سعاد .. أرجوك .. لا داعى .

    وكنها استمرت بصوت معدنى بارد ميت كأنها مصفحة تمر فوق أضلاعه :

    لقد خنتك مع كل رجل دخل هذا البيت .. وتصورت فى كل مرة أنى سوف أحب هذا الرجل أو ذاك حتى الموت ثم اكتشفت فى كل مرة أنى أكثر مللاً .. وأنى أمام شئ مضجر لا يطاق .. و لم يبق لى فى النهاية إلا ذاك الرجل الشبح الحلم العزيز الذى لا ينال ذلك الجمال الشفيف من وراء الغيب .

    ثم انهارت فجأة تبكى و كأنها تتلاشى فى دموعها و تكوم هو مهزماً فى كرسيه و هو يغمغم :
    أنت مجنونة .. مجنونة .


    *****************

    و لا يعلم كيف مضت به الأيام بعد ذلك .
    و لا يستطيع أن يصف هذه الظلمة التى مازحته حتى قضت عليه .
    و حينما دبر بعد ذلك قتلها بالسم لم يكن سبب القتل أنها خانته و إنما كان السبب الحقيقى أنها قتلته ,, و أنها مزقت الستر عن حياته فأصابته بعدواها و نقلت إليه الشعور المرهف بعدم الجدوى ..

    فأصبح يعيش فى خواء تام و قد سلبته الإحساس بالهدف وحرمته لذة الجمع و النجاح .. فانكشف له الجنون و الآلية و العبث فى هذا الجمع اللامعقول ــــــ وهذا الجرى وراء اللاشئ .. فأدرك أنه لم يعش وأنه لم يكن يعيش فى أى يوم .

    نعم .. لقد دبر لقتلها بإصرار و تعمد و ليس بإنفعال و لا بغضب الزوج الذى أهين فى شرفه .. وإنما بإحساس قتيل يثأر من قاتله .. وبإحساس رجل فقد كل شئ .. فقد نفسه وروحه وجوهره و لذته وحافز كفاحه .

    و حينما كانت تموت كانت عيناها تبتسمان .
    وكانت تبدو وكأنما تخففت من أثقالها .
    و قالت له فى نبرة شكر و هى تقبل يده :

    هذا هو العمل الوحيد المعقول الذى صنعته فى حياتك .

    و سلم نفسه للنيابة فى ذلك اليوم وكتب اعترافاً كاملاً بخط يده

    وكان تعليق القاضى الذى أصدرالحكم وهورجل صوفى إلى زميله:

    إن كل الذين عبروا من هنا إلى المشانق قالوا إنهم أحبوا حتى الموت ، البعض أحب الخشب و الحديد ، و البعض أحبوا السلطة ، و البعض الآ خر أحب إمرأة ، و البعض أحب نفسه ...و لا شئ من هذا الحب يروى عطشاً كلهم كانوا كمن يشرب من ماء مالح
    كلما ازداد شرباً ازداد ظمئاً

    و لهذا حاولت صاحبتنا أن تسعى بحبها إلى العزيز الذى لا ينال فأحبت الميت فكانت أكثر سقوطاً وصرفت وجهها عن الوجود لتسقط فى العدم .. و لو أنها أحبت الحى الذى لا يموت و لو أنها عرفت جمال وجه الله المستور من وراء الغيب لأدركت طريقها و لتغيرت القصة ....
    و لكن .. "ولكن" هذه هى جريمتنا جميعاً .

    =24]
    Snow White
    Snow White
    عضو ماسى
    عضو ماسى


    انثى
    العقرب عدد الرسائل : 3211
    العمر : 37
    تاريخ التسجيل : 29/10/2007

    نقطة الغليان Empty رد: نقطة الغليان

    مُساهمة من طرف Snow White 22nd أغسطس 2009, 6:46 pm





    لو أنها أحبت الحى الذى لا يموت و لو أنها عرفت جمال وجه الله المستور من وراء الغيب لأدركت طريقها و لتغيرت القصة ....
    و لكن .. "ولكن" هذه هى جريمتنا جميعاً



    هايل يا ميها
    ااسلوب الكتابه وتنسيق الموضوع جميل
    اواللى ملاحظاه لحد دلوقتى ان الكاتب بيتبث للقارىء أهمية التقرب الى الله
    ومتابعه معاكى يا جميل باقى قصص مصمطفى محمود

    MEHA
    MEHA
    عضو ذهبى
    عضو ذهبى


    انثى
    القوس عدد الرسائل : 605
    العمر : 35
    العمل/الترفيه : STUDENT
    المزاج : كل يوم بحالة ...جنان يعنى
    تاريخ التسجيل : 18/11/2007

    نقطة الغليان Empty رد: نقطة الغليان

    مُساهمة من طرف MEHA 22nd أغسطس 2009, 7:17 pm

    منورة التوبيك و الله يا حبى

    أنا مش عارفة أشكرك ازاى

    انتى بتشجعينى

    my pro
    MEHA
    MEHA
    عضو ذهبى
    عضو ذهبى


    انثى
    القوس عدد الرسائل : 605
    العمر : 35
    العمل/الترفيه : STUDENT
    المزاج : كل يوم بحالة ...جنان يعنى
    تاريخ التسجيل : 18/11/2007

    نقطة الغليان Empty رد: نقطة الغليان

    مُساهمة من طرف MEHA 1st سبتمبر 2009, 10:52 pm



    القصة الثالثة

    الرجل الذى عرف ربه

    كان الرجل مريضاً بمرض عضال لا يعرف له علاجاً فكلما جلس فى مكان قال له الناس رائحتك كريهة .. ألا تستحم .


    و تردد على الأطباء و فحص الأنف و الجيوب و الحلق و الأسنان و اللثة و الكبد و الأمعاء .. وكانت النتيجة .. لا مرض فى أى مكان بالجسد و لا سبب عضوياً مفهوم لهذه الرائحة .


    وكان يتردد على الحمام عدة مرات فى اليوم و يغتسل بأغلى العطور فلا تجدى هذه الوسائل شيئاً .. و لا يكاد يخرج إلى الناس حتى يتحول إلى قبر منتن يهرب منه الصديق قبل العدو .


    وذهب يبكى لرجل صالح .. وحكى له حكايته فقال الرجل الصالح هذه ليست رائحة جسدك .. ولكن رائحة أعمالك .

    فقال الرجل : تلك بعض الأسرار التى يكشف عنها الله الحجاب .. ويبدو أن الله أحبك وأراد لك الخير وأحب أن يمهد لك الطريق إلى توبة .



    فقال الرجل معترفاً :

    أنا بالحق أعيش على السرقة والإختلاس و الربا وأزنى وأسكر وأقارف المنكرات .

    قال الرجل الصالح : وقد رأيت فهذه رائحة أعمالك .
    قال الرجل وما الحل ؟

    قال الصالح : الحل أصبح واضحاً أن تصلح أعمالك وتتوب إلى الله توبة نصوحاً .

    وتاب الرجل توبة نصوحاً وأقلع عن جميع المنكرات و لكن رائحته ظلت كما هى .. فعاد يبكى إلى الرجل الصالح ..

    فقال له الرجل الصالح – لقد أصلحت أعمالك الحاضرة ، أما أعمالك الماضية فقد نفذ فيها السهم .. و لا خلاص منها إلا بمغفرة .

    قال الرجل : و كيف السبيل إلى مغفرة ؟

    قال الصالح : إن الحسنات يذهبن السيئات فتصدق بمالك .. والحج المبرور يخرج منه صاحبه مغفور الذنوب كيوم ولدته أمه فاقصد الحج .. واسجد لله ..وابك على نفسك بعدد أيام عمرك ..

    وتصدق الرجل بماله وخرج إلى الحج و سجد فى كل ركن بالكعبة وبكى بعدد أيام عمره .. ولكنه ظل على حاله تعافه الكلاب وتهرب منه الخنازير إلى حظائرها .. فأوى إلى مقبرة قديمة وسكنها و صمم ألا يبرحها حتى يجعل الله له فرجاً من كربه .

    وما كاد يغمض عينيه لينام حتى رأى فى الحلم الجثث التى كانت فى المقبرة تجمع أكفانها وترحل هاربة .. وفتح عينيه فرأى الجثث قد رحلت بالفعل وجميع اللحود فارغة .. فخر ساجداً يبكى حتى طلع الفجر

    فمر به الرجل الصالح ..
    وقال له :
    هذا البكاء لا ينفع فإن قلبك يمتلئ بالإعتراض .. وأنت لا تبكى اتهاماً لنفسك بل تتهم العدالة الإلهية فى حقك .

    قال الرجل : لا أفهم !!
    قال الصالح : هل ترى الله كان عادلاً فى حقك .؟
    قال الرجل : لا أدرى .

    قال الصالح : بالضبط ..إن عدل الله أصبح محل شبهة عندك .. وبهذا قلبت الأمور فجعلت الله مذنباً وتصورت نفسك بريئاً وبهذا كنت طول الوقت تضيف إلى ذنوبك ذنوباً جديدة فى الوقت الذى ظنن فيه أنك تحسن العمل .

    قال الرجل : ولكنى أشعر أنى مظلوم .

    قال الصالح : لو اطلعت على الغيب لوجدت نفسك تستحق عذاباً اكبر وأن الله الذى ابتلاك لطف بك .. ولكنك اعترضت على ما تجهل واتهمت ربك بالظلم ..فاستغفر وحاول ان تطهر قلبك وأسلم وجهك ..فإنك إلى الآن ورغم حجك وصومك وصلاتك وتوبتك لم تسلم وجهك بعد .

    قال الرجل : كيف ..ألست مسلماً ؟! .

    قال الصالح : نعم لست مسلماً ، فالإسلام هوإسلام الوجه قبل كل شئ .. وذلك لا يكون إلا بالقبول وعدم الإعتراض والإسترسال مع الله فى مقاديره وبأن يستوى عندك المنع و العطاء ، وأن ترى حكمة الله ورحمته فى منعه كما تراه فى عطائه ، فلا تغتر ولا تعترض على حرمان فعدل الله لا يتخلف وهو عادل دائماً فى جميع الأحوال ورحمته سابغة فى كل ما يجريه من مقادير فقل لا إله إلا الله ثم استقم ..ذلك هو الإسلام .

    قال الرجل : إنى أقول لا إله إلا الله كل لحظة .

    قال لاصالح : تقولها بلسانك ولا تقولها بقلبك و لاتقولها بموقفك وعملك .

    قال الرجل : كيف ؟

    قال الصالح :إنك تناقش الله كل يوم وكأنك إله مثله .. تقول له استغفرت فلم تغفر لى سجدت فلم ترحمنى بكيت فلم تشفق على صليت وحججت إليك فما سامحتنى .. أين عدلك ؟

    وربت الرجل الصالح على كتفيه قائلاً – يا أخى ليس هذا توحيداً .

    التوحيد أن تكون إرادة الله هى عين ما تهوى وفعله عين ما تحب وكأن يدك أصبحت يده ولسانك لسانه ...التوحيد هو أن تقول نعم وتصدع بالأمر مثل ملائكة العزائم دون أن تسأل لماذا ..لأنه لا إله إلا الله ..لا عادل ولا رحمن و لا رحيم و لا حق سواه ..

    هو الوجود وأنت العدم . فكيف يناقش العدم الوجود .إنما يتلقى العدم المدد من الوجود ساجداً حامداً شاكراً .. لأنه لا وجود غيره .. هو الإيجاب وما عداه سلب .. هو الحق وما عداه باطل .

    فبكى الرجل وقد أدرك أنه ما عاش قط و ما عبد ربه قط .

    قال الآن عرفت فالزم .. وقل لا إله إلا الله .. ثم استقم ..
    قلها مرة واحدة من ألأحشائك .

    فقال الرجل : لا إله إلا الله .

    فتضوع الياسمين وانتشر العطر وملأ االعبير الأجواء وكأن روضة من الجنة تنزلت على األأرض .

    وتلفت الناس .. وقالوا .. من هناك .. من ذلك الملاك الذى تلفه سحابة عطر .

    قال الرجل الصالح : بل هو رجل عرف ربه .

    Snow White
    Snow White
    عضو ماسى
    عضو ماسى


    انثى
    العقرب عدد الرسائل : 3211
    العمر : 37
    تاريخ التسجيل : 29/10/2007

    نقطة الغليان Empty رد: نقطة الغليان

    مُساهمة من طرف Snow White 2nd سبتمبر 2009, 8:34 pm

    ..لأنه لا إله إلا الله ..لا عادل ولا رحمن و لا رحيم و لا حق سواه ..

    تسلم ايدك يا مها على القصص الهادفة
    MEHA
    MEHA
    عضو ذهبى
    عضو ذهبى


    انثى
    القوس عدد الرسائل : 605
    العمر : 35
    العمل/الترفيه : STUDENT
    المزاج : كل يوم بحالة ...جنان يعنى
    تاريخ التسجيل : 18/11/2007

    نقطة الغليان Empty رد: نقطة الغليان

    مُساهمة من طرف MEHA 3rd سبتمبر 2009, 8:00 am


    العفو يا حبى

    كلها 11 قصة و يبقى عندك الكتاب

    ميرسى على المتابعة يا قمر

    my pro
    MEHA
    MEHA
    عضو ذهبى
    عضو ذهبى


    انثى
    القوس عدد الرسائل : 605
    العمر : 35
    العمل/الترفيه : STUDENT
    المزاج : كل يوم بحالة ...جنان يعنى
    تاريخ التسجيل : 18/11/2007

    نقطة الغليان Empty رد: نقطة الغليان

    مُساهمة من طرف MEHA 15th سبتمبر 2009, 8:11 pm


    القصة الرابعة

    تحولات الليل و النهار

    كان هذا هو اليوم الأخير فى التأبيدة التى قضى فيها السجين عشرين سنة من عمره وراء القضبان و هو يعد الأيام يوماً بعد يوم انتظاراً لتلك اللحظة التى يرى فيها النور .

    وقد دخل إبراهيم السجن فى جريمة قتل ..

    ويذكر إبراهيم ما حدث دقيقة بدقيقة وكأنما هناك شريط سينمائى ناطق مجسم بالألوان يدور فى رأسه ولا يكف عن الدوران .

    يذكر ما حدث حينما عاد إلى بيته فى تلك الليلة من يناير مبكراً على غير عادة .. وو قف يقرع الباب ..

    لم تأت زوجته مهرولة كعادتها لتفتح وإنما سمع حركة مضطربة خلف الباب وسمع أقداماً تجرى و لم يفتح احد ..

    وعاد يقرع الباب وقد تحرك شك قاتل فى صدره ... وعادت الأقدام تجرى فى اضطراب .. وسمع لغطاً .. ثم أصوات أشياء تقع على الأرض وزجاجا ً ينكسر ونوافذ تصطفق ..


    وحمل على الباب بكل قوته ودفعه دفعة هائلة فانفتح وقفز إلى الداخل ليرى زوجته واقفة مذعورة بفستان على اللحم وشبح رجل يهرب من النافذة ..
    وترك كل شئ وانطلق يجرى وراء الهارب .
    ولم يستطع أن يلحق به فقد اندس فى زحام المولد وانقطع أثره و لكنه عرفه وعرف من هو ...

    و فى اليوم التالى حمل سكيناً تحت جلبابه وذهب إلى محل المكوجى ، وقتل مسعد المكوجى بضربة واحدة من سكينه قطع بها شرايين رقبته ، وحينما حاول صاحب المحل أن يدافع عنه قتله هو الآخر .. ثم تكاثر عليه الناس وانتزعوا السكين من يده وسلموه للبوليس ...


    ومن ذلك التاريخ وهو ملقى فى السجن ، وحكم عليه القاضى بالمؤبد .

    ومضت عليه عشرون سنة كأنها عشرون قرناً و هو يعض على نواجذه من الغيظ لأنه دخل الزنزانة قيل أن يقتل زينب .

    كان فى عزمه أن يقتل الإثنين ، وقد بدأ بالرجل و فى نيته أن ينثنى مسرعاً ليقتل المرأة و يستريح .. و لكن الحوادث التى تلاحقت و قتله لرجلين ثم تكاثر الناس ثم اعتقاله ، غير مجرى الأمور وأعطى المرأة عشرين سنة من العمر و حكم عليه بعشرين سنة من الكظم و الغيظ قضاها لا يفكر إلا فى شئ إلا لحظة يحز على رقبتها بسكينه .

    زينب التى عرف فى حضنها اللذة و السكن و الراحة .. و التى أعطاها رزقه وعرقه وشبابه .. خانته .

    كم بات يحلم بأن يقطع لسانها الذى كان يقول له بحبك يا إبراهيم .. وكم راح يهذى بأنه يغمس السكين فى قلبها الذى كان يخفق فى حضن قلبه .

    وكان يراها دائماً فى خياله ، جميلة طرية ريانة ، كأنها ثمرة يانعة فيها رائحة الحقل .

    وكان يراها دائماً فى حضن الرجل الآخر تقبله وتوشوشه كما كانت تقبله وتوشوشه وكان يسمع غنج صوتها فى ظلام زنزانته فيفور الدم و يغلى فى شرايينه .

    وكان يسمع النبض يدق فى دماغه .. و لنه عاش يكظم و يكتم فى انتظار اللحظة التى يخرج فيها إلى النور .

    و حينما جاء السجان و فتح له الباب و قال له .. مبروك يا إبراهيم إفراج .. خرج كالريح .. خرج كما يخرج الغضب من فم الغضبان ، وكان أول شئ عمله أن توجه إلى بيته و السكين تحت جلبابه .

    وكان باب البيت مفتوحاً ، اسرع داخلاً .

    وكانت المرأة راقدة تسعل ، وتسمر فى مكانه حينما أطل فى وجهها .. وشعر بدمائه تبرد .. ثم تتثلج وتجمدت مشاعره وأحس بجنونه يتبخر من رأسه .. ثم أحس برأسه ذاته يتبخر .

    لقد رأى إمرأة أخرى تماماً غير تلك التى كان يحلم بقتله فى زنزانته .
    رأى إمرأة عجوز عجفاء سقطت أسنانها وانحنى هيكلها وتجعدت بشرتها .. وذهبت النضارة وخبا الجمال .. وجف العود الريان .. وتيبست الأطراف .. لم يبق شيئاً يقتله أو يقتل الناس أنفسهم من أجله .

    و خمدت الغيرة فى قلب الرجل فجأة كأنما هبت عليها ريح جليدية .. وحل محلها شعور غريب بالدهشة والذهول والإشفاق .

    ولم يدر الجل ماذا قال لإمرأته ، فقد راح يقول أى كلام ثم ما لبث أن تسلل خارجاً وقد أصبح رجلاً آخر غير الذى دخل السجن من عشرين عاماً

    وكما تغير الرجل فجأة تغيرت الدنيا أيضاً فى عينيه فجأة وراح يكتشفا كأنه مولود جديد يحبو ويتعرف على الدنيا لأول مرة .

    حينما جلس يشرب الشاى فى القهوة على بأن زملائه السباكين قد هاجروا فى العمل فى الخليج و السعودية و الكويت .

    و قال له القهوجى:إن السباك يعمل الآن بمرتب شهرى خمسة آلاف ريال فى السعودية أى ألف جنيه شهرياً..أما صغار العمال الذين أثروا البقاء فى مصر فإن الواحد منهم يكسب من السباكة مائة و خمسين جنيه فى الشهر..وإن السباك مطلوب فى كل مكان وإن الذى يعرف كيف يصلح حنفية يسمى نفسه الباشمهندس و يركب عربة ملاكى..وسرح إبراهيم بعينين ذاهلتين .

    كان كل شئ يتغير ويتبدل وهو رابض كالتمثال فى زنزانته يمضغ حقداً أسود لا يريد أن يزول ..
    المرأة أصبحت غير المرأة ،، والرجل غير الرجل،،والصنعة غير الصنعة،،و البلد غير البلد .

    بينما هو تجمد كتمثال من حجر صوان يجتر عذاباً لا ينتهى .


    يالها من لحظة تافهة تلك التى توقف عندها وكبل نفسه بأغلالها عشرين عاماً .. كيف يحدث أن يقتل الناس بعضهم بعضاً بأمور بمثل تلك التفاهة؟

    لقد قتل رجلين من أجل زينب .. ومن أجل حبه لزينب .. ومن أجل غيرته على زينب .. فأين زينب الآن ؟ وأين حبه لزينب ؟وأين شهوته لزينب ؟ وأين غيرته على زينب ؟


    لقد تبخرت زينب كأنما كانت وهماً و لفت شيئاً مثل رماد المدفأة و تبخر حبه لزينب ما تتبخر الأحلام وتبخرت شهوته كما يتبخر مستنقع فى يوم صيف وخمدت غيرته كما تخمد شعلة أكلت نفسها يالها من امور تافهة يتقاتل من أجلها الناس .

    كم تبدو تلك الأحداث الهائلة و اللحظات الرهيبة المفعمة بالغضب .. كم تبدو له الآن على البعد أحداثاً صغيرة .

    أما كان أولى به أن يطلقها وأن يذهب كل منهما لحاله وأن يجرب
    كل منهما حظه من جديد دون أن تراق كل تلك الماء
    و لو أنه بدأ حياة جديدة فى تلك الظروف من الرخاء لتزوج من هى أجمل من زينب وأرق من زينب وأوفى من زينب ولكانت عنده عربة ولربما هاجر مع الذين هاجروا إلى السعودية و الخليج واقتنوا الثروات وذاق لذة الترحال و التنقل والأسفار بدلاً من ضياع العمر فى الزنزانة وذل المؤبد.

    ياله من أمر تافه ذلك الذى عشت أطحنه تحت أضراسى عشرين عاماً ..

    ودلق إبراهيم بقية فنجان القهوة فى جوفه وقام ليتوضأ على صوت الآذان وقد شعر أنه أصبح خفيفاً مجنحاً يكاد يطير مع كل خطوة .

    و مضى إلى المسجد ليصلى .. وكأنه رجل آخر غير ذلك الذى عرفه وعاشره ستين عاماً .

    كيف يحدث فى لحظة أن يولد العقل من الجنون كما يولد النهار من الليل ؟ وهل يحتاج مثل ذلك الميلاد ان يدفع الإنسان ذلك الثمن الباهظ من زهرة العمر ؟
    Snow White
    Snow White
    عضو ماسى
    عضو ماسى


    انثى
    العقرب عدد الرسائل : 3211
    العمر : 37
    تاريخ التسجيل : 29/10/2007

    نقطة الغليان Empty رد: نقطة الغليان

    مُساهمة من طرف Snow White 17th سبتمبر 2009, 9:13 pm

    كيف يحدث فى لحظة أن يولد العقل من الجنون كما يولد النهار من الليل ؟ وهل يحتاج مثل ذلك الميلاد ان يدفع الإنسان ذلك الثمن الباهظ من زهرة العمر ؟
    اه كتير لان لما بتسيطر على الانسان فكرة بيبقى مش شايف غيرها وصعب يقتنع بغيره
    غير بعد فوات سنين وبعد ماهو يعرف الحقيقة

    ميرسى على القصص الجميلة يا ميها
    MEHA
    MEHA
    عضو ذهبى
    عضو ذهبى


    انثى
    القوس عدد الرسائل : 605
    العمر : 35
    العمل/الترفيه : STUDENT
    المزاج : كل يوم بحالة ...جنان يعنى
    تاريخ التسجيل : 18/11/2007

    نقطة الغليان Empty رد: نقطة الغليان

    مُساهمة من طرف MEHA 18th سبتمبر 2009, 10:02 am


    ميرسى يا سوسو

    بس احساس صعب اوى ان عمر الإنسان يضيع كده دون جدوى

    وضحية فكرة


    avatar
    gehad mohamed
    عضو جديد
    عضو جديد


    انثى
    الميزان عدد الرسائل : 1
    العمر : 33
    العمل/الترفيه : student
    المزاج : good
    تاريخ التسجيل : 10/11/2012

    نقطة الغليان Empty good

    مُساهمة من طرف gehad mohamed 10th نوفمبر 2012, 7:25 pm

    gooooooooooood

      الوقت/التاريخ الآن هو 22nd نوفمبر 2024, 6:21 pm