أين انت يا ولدي , اين انت يا ولدي
عبارة ترددها في اعماقها , يعلو صوتها في داخلها صوت القنابل والانفجارات التي حولها ولا تكاد ان تري شيئا غير الالام والاحزان .
نيران في كل مكان , وركام تختلف ما بين بيوت مهدومة وجثث مقتوله .
تبحث ام عن ابنها , مفقود لا تعلم له مكانا . ولا تسمع له صوت
فربما استشهد ورحل مع باقي الشهداء وباقي الابناء
وربما يقاتل لكي ينال هذا الشرف الذي تتمناه له امه . الحائر عقلها ومفتور قلبها
تسير هذه الام بين خبايا الحطام المجاورة لبيتها المطموس الملامح , فالقنابل لم تترك له علامة .
و بالكاد تستطيع هذه الام ان تري .
تري بعين ملأتها احزان ودموع علي ابنها
تسير في الشوارع . بين الطرقات . تقابل شبابا ما بين مجروحين وتائهين ومشردين
اين انت يا ولدي . عباره تلازم شفتيها المتشققة . يرتسم علي وجهها شبح الخوف والقلق
تتخبط بين النساء والرجال في طريقها . لا تري سبيلها
تتحرك عينيها بعشوائية ملحوظة . وفي حيرة قاتلة . فتقابل شبابا فتسالهم .
هل رأيتهم ولدي ؟
فتكون الايجابه اما ممزوجة بالبكاء ... او الدماء
دماء الشباب المجاهدين الذين سلبهم المحتل حقوقهم . فلا سبيل لهم الا التشريد ولا عزاء لهم الا البكاء .
تعلو صيحات النداء , و نحيب البكاء . فالموقف يتكرر والعبارات تنتشر "اين انت يا ولدي "
عبارة يكررها كل امراه في غزة . وتكون الاجابة واحده و يا ليتها لم تكن
فاطفالهم يقفون الان امام دبابات ومدرعات وأليات لا يستطيع اي منا ان يجابهها او ان ينظر اليها من بعيد
يمسكون في ايديهم حجارة , كانت بالامس لعبة يلعبون بها في غياب الاستقرار وجفاف ينابيع الطفولة .
حجارة اصبحت هي كل ما يملكون . و لا يجدوا من يشتكون اليه .
اطفالهم يمسكون في ايديهم الصغيرة حجارة ويحاربون اعدائهم . المحصن بالدروع واحدث انواع التكنولوجيا .
وامهاتهم يسيرون بحثا عنهم . تتقطع اكبادهم عناءا ولا يجدونهم . فالشئ الوحيد الذي يعيشون من اجله . هو اطفالهم
عبارات النداء واللهفة تجوب المكان باكمله . وتكون اسراب من الكلمات المتلاحقة المؤلمة التي تخترق قلوبنا بقسوه .
والامهات يقاتلون شبح الجوع والفقر , من اجلهم .
من اجل بقاء اطفالهم . فهم زهرتهم المتفتحه التي تملا عليهم دنياهم
تسير الام بخطي ثقيلة ودموعها تنهمر من عينينها الباهته . وتبحث ... وتبحث
نيران القذائف لا تهمد . والغبار لا ينفذ . والامور لا تستقر . والسماء مملؤة بالحجارة لا بالنجوم
تزحف الام لكي تري ولدها . تشتاق موتا الي رؤيته .. ولكن " اين انت يا ولدي "
وسط اصوات الرشاشات والاسلحة . و بنظره قاسية و خائفة القتها الام علي الساحة
,, اذا بها تري ابنها يقوم بواجبه كاي جندي اخر.
يمسك بحجارته المفضلة ويرمي بها بكل ما اوتي من قوه لكي يقتل المحتل الذي اخذ منه لعبته وحلمه
فتصرح .. ولدي
فتتمني الام ان يقف الزمن بضع دقائق لكي تحضن ابنها . علها تستطيع ان تنقذه . او تودعه
ولكن . هيهات هيهات
الامنيه اصبحت حلما في عالمهم . فلن تسطيع الاختيار بعد الان . انت في ساحة القتال ام شهيدا او منتصرا ً
تطلق الام صرخة تحمل بين اجنحتها معاني الشفقة وتحمل معها الدعاء . لكي تصل الي ابنها الذي تراه امام عينها . ولا تستطيع ان تنفذه
فاذا بالولد وهو يهم ان ياخذ حجارة اخري من علي ارضه . فاذا بعينيه تقع علي امه . فتلتقي عيناهما البريئتان المليئتان بالالام والحسرة .
مشهد . لا توصفه الكلمات . لا توصفه الافواه . فافواهنا صغيرة .
تنكمش المسافات . تنطوي الارض بينها وبين ولدها كطي الصفحات في الكتب لكي يدور بينهما حديث عفوي ,
بالنظرات وليس بالكلمات
اذا رايتهم من بعيد . تري الطفل والبراءه تتجسد علي وجهه و تقول .
شكرا لكي يا امي علي ما اعددتيه لي من نهايه لحياتي التي لم تبدا بعد .
شكرا لكي علي ولادتي في حياه لم الهو فيها بعد .
شكرا لكي علي ما اعطيتينيه من رعاية ومن حب .. لن ينتهيا بعد .
فتصرخ الام بداخلها صرخة تفجرها .. وتدفعها الي الساحة . ولكن ...
" احبك يا امي " جملة مكتوبة تقرأها الام في عين طفلهاالوحيد
ممزوجة بابتسامة مرسومة علي شفتيه
يبتسم الطفل لامه ثم يلتقط حجارته و يلقيها علي عدوه
فلا تكاد تصل اليه من ضعف رميته وساعده ... فيلتقط رصاصة في قلبه الصغير
واااااااااااااااه قلباه
تسقط المراة علي الارض , لا تستطيع رجليها ان تحملها . بعدما فقدت قواها . وخارت عزيمتها
انفطر قلبها .. اصبحت وحيدة
تبكي . تتعذب . فهي لم تصل الي ابنها بعد . فتحاول القيام مرة اخري لكي تاخذ ابنها الشهيد في حضنها في الدنيا . قبل ان تلحقه في اخرته
ولكن ...
لا تستطيع ان تسير . لا تسطيع
ليست قدمها هي السبب .. بل عينيها
فقدت الام نظرها جراء سقوطها علي الارض . فلا تستطيع الرؤية . ولا تستطيع السير .
لعل طفلها عرف انها لن تلحق به فابتسم اليها قبل ان يرحل عن هذه الحياه القاسية .
تزحف الام لكي تصل الي طفلها . فاذا بها تتحسسه فتعرفه بقلبها .
ممدد علي الارض يحمل في جيبه بقايا من الحجارة المتهشمة .
تاخذه وتضمنه بقوه وتقبله وتودعه .... وتبكي
ولكنها لم تفقد حاسه السمع بعد
ففي وسط الزحام والقتال والدماء تريد ان تسمع
فاذا بصوت من بعيد ... ينادي
" أين انت يا ولدي "
ويتكرر المشهد مرارا وتكرارا